مؤسسة الرياض غير الربحية- رؤية متكاملة للتنمية الحضرية المستدامة

المؤلف: عبداللطيف الضويحي11.16.2025
مؤسسة الرياض غير الربحية- رؤية متكاملة للتنمية الحضرية المستدامة

منذ أيام قلائل، أُعلن عن تأسيس مؤسسة الرياض غير الربحية بأمر ملكي سامٍ، لتكون كيانًا مستقلاً ذا طابع فريد، تحت رعاية الهيئة الملكية لمدينة الرياض. ومن خلال نظرة أولية على القائمين عليها، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء – رئيس مجلس الإدارة، وبالتمعن في أهداف المؤسسة وركائزها وتوجهاتها، يتضح لنا الدور العظيم والأثر البالغ الذي ستتركه هذه المؤسسة على مدينة الرياض وعاصمتها الغالية.

إن أي مشروع عظيم يحتاج إلى مُخرِج مبدع، تمامًا كما يحتاج إلى مدير مشروع كفء. فالمُخرِج هو الفنان الذي يضع اللمسات الأخيرة على المشروع، من الناحية العملية والفنية والثقافية والاجتماعية، مع مراعاة كل ما يحيط به من مستفيدين ومشروعات وبيئة اجتماعية وأحياء سكنية. وإذا كان دور المُخرِج جوهريًا لاستكمال عمل مدير المشروع وفريقه في المشروع الواحد، يصبح دوره أكثر حيوية وأهمية عندما نتحدث عن مئات أو آلاف المشروعات في مدينة ذات ثقل وأهمية كمدينة الرياض. وتأتي هنا أهمية مؤسسة الرياض غير الربحية.

أرى أن مؤسسة الرياض غير الربحية هي ذلك المُخرِج الماهر الذي سيُعهد إليه بوضع البصمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفنية على مجمل المشروعات التي شهدتها وتشهدها الرياض، والتي يقوم عليها عشرات المديرين المهرة. هذه المشروعات أحدثت تغييرات جمة وتحولات عميقة، وتأتي المؤسسة لتُوجد مقومات التكامل والانسجام بين متطلبات جودة حياة السكان وأنماط عيشهم، مع الاهتمام بجميع فئات المجتمع وأحياء المدينة، وبما يحقق الهوية المميزة للرياض في ظل هذه المعطيات والمقومات الثرية.

الرياض ليست مجرد مدينة عصرية متطورة أو عاصمة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، بل هي بوتقة تنصهر فيها عمليات تغيير وتحولات هائلة ومتنوعة. هذا الأمر يستدعي وجود "مركز عصبي أفقي ورأسي" لهذه المدينة السريعة النمو والتطور بشكل لافت. هذا المركز العصبي سيربط ويفعل المنظومة العصبية بين أبعد نقطة في التاريخ المعروف وأقصى نقطة في المستقبل المنظور. كما سيحافظ بذكاء على التفاعل والتناغم بين مختلف الثقافات السكانية والأحياء السكنية في هذه المدينة الشاسعة، التي تعج بالسكان والفرص والتحديات. ويظهر ذلك في أهمية مؤسسة الرياض غير الربحية.

من هذا المنطلق، يمكننا فهم الدور المحوري والأهداف السامية التي تسعى إليها مؤسسة الرياض غير الربحية، تلك المؤسسة "ذات الطبيعة الخاصة" والمستقلة عن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. إنها تمتلك رؤية تنموية شاملة وقدرة على التشخيص الدقيق، ويجب أن تمتلك أدوات مبتكرة للتعامل مع تمكين جميع فئات السكان وأحياء المدينة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كل ذلك بهدف تحقيق أعلى مستوى من استثمار الفرص وتسخيرها للتغلب على جميع التحديات.

وانطلاقاً من الأهمية القصوى لهذه المؤسسة في قيادة هذا المسار الاستثنائي في عاصمتنا الفاتنة، أود أن أقترح منح أولوية فائقة لنادي الحي الاجتماعي، الذي طالبت بإنشائه شخصيًا، لما له من أهمية بالغة وضرورة ملحة في كل حي من أحياء الرياض. فهذا النادي سينعكس بشكل إيجابي على تعزيز العلاقات والروابط بين سكان الحي، على اختلاف فئاتهم وخلفياتهم الثقافية المتنوعة. وهذا بدوره سينعكس على تعزيز الأمن والثقة بين سكان كل حي في هذه المدينة الكبيرة. كما أن هذا النادي سيسهم في الحد من الازدحام المروري خارج الحي، من خلال توفير الخدمات والأنشطة الأساسية للسكان في محيطهم السكني قدر الإمكان. فليس من المنطقي أن يضطر سكان كل حي للخروج إلى أحياء أخرى للبحث عن الخدمات، مما يسبب اختناقات مرورية غير ضرورية.

إن إنشاء نادي الحي الاجتماعي سيساعد على تنشيط العلاقات بين السكان، من خلال توفير وسائل ترفيهية ممتعة، مثل البلياردو وتنس الطاولة والشطرنج، بالإضافة إلى توفير المشروبات والجلسات الودية والاجتماعات المثمرة والمحاضرات التوعوية التي تخدم الحي وسكانه في مجالات العمل التطوعي والبيئة والصحة والتعليم والإسكان، بما يلبي احتياجات مختلف الشرائح العمرية.

إن النادي الاجتماعي في كل حي هو فكرة عملية اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تقديم حلول مبتكرة للعديد من التحديات التي تواجهها المدن الكبرى عادة. وهذه الفكرة تقع في صميم أهداف مؤسسة الرياض غير الربحية. كما أنها فكرة تتبنى الابتكارات والحلول غير التقليدية في التعامل مع الواقع واستشراف المستقبل.

نادي الحي الاجتماعي هو فكرة قابلة للتطبيق من خلال شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي، تحت رعاية وإشراف مؤسسة الرياض غير الربحية، وذلك من خلال تبني المبادرات والمشاريع التي تربط بين هذه القطاعات الثلاثة، مما يؤسس لشراكات مستدامة تحقق أهداف التنمية وتطلعات الرؤية الطموحة. وهذا بدوره يتيح تمكين الفرد والمؤسسة المحلية، وتطوير قدرات الشباب والأطفال والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتشجيعهم على الانخراط الفاعل في الحياة والمجتمع، بالاعتماد على قدرات المجتمع وموارده، بما في ذلك جهود المتطوعين. كما يتيح توفير التدريب المستمر وتنمية القدرات وتحقيق تأثير إيجابي ملموس في المجتمع.

ختامًا، ستكون مؤسسة الرياض غير الربحية نموذجًا يحتذى به على المستويين المحلي والعالمي في مجال دراسات قياس الأثر والاستجابة للتحديات، من خلال ابتكار الأدوات المحلية الفعالة واستكشاف الآفاق الواعدة للعلاقات بين المجتمعات المحلية والقدرات الفردية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة